الجمعية المغربية للغويين والمبدعين
الجمعية المغربية للغويين والمبدعين
الجمعية المغربية للغويين والمبدعين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الجمعية المغربية للغويين والمبدعين

ابداع بلا حدود
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولالعقد الفريد

 

 طفلان في المرآة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
مصطفى ملح

مصطفى ملح


عدد المساهمات : 19
نقاط : 39
تاريخ التسجيل : 31/08/2010

طفلان في المرآة Empty
مُساهمةموضوع: طفلان في المرآة   طفلان في المرآة I_icon_minitimeالإثنين سبتمبر 06, 2010 3:17 am

طِفْلانِ في المِرْآةِ


إِذا كُنْتَ تَعْبُرُ الشَّارِعَ الرَّئيسِيَّ تَسْتَطيعُ أَنْ تُبْصِرَ صَفّاً طَويلاً مِنَ المَقاهي ذاتِ الواجِهاتِ الزُّجاجِيَّةِ. الكَراسي والطَّاوِلاتُ مُصْطَفَّةٌ بِنِظامٍ، ومِنَ الدّاخِلِ تَنْبَعِثُ الرَّوائِحُ الشَّهِيَّةُ. إِنَّهُ وَقْتُ الغَداءِ. حَرارَةُ يُونْيُو تَلْسَعُ الوُجوهَ لَسْعاً.. حَتّى الرّيحُ الّتي تَهُبُّ بَيْنَ الفَيْنَةِ والأُخْرى تَكُونُ جافَّةً تَجْرَحُ الحَلْقَ.
جَلَسَ سَميرُ مَعَ أُسْرَتِهِ على طاوِلَةٍ نَظيفَةٍ. كانَ عُمْرُهُ اثْني عَشَرَ عاماً.. وَسيمٌ وذَكِيٌّ ولَكِنَّهُ مَيَّالٌ إِلى الشَّغَبِ أَحْياناً.. كانَتِ الأُسْرَةُ تَنْعَمُ بِسَعادَةٍ عارِمَةٍ.
في الجِهَةِ الأُخْرى طِفْلٌ عَيْناهُ مُغْرَوْرِقَتانِ، رُبَّما بِسَبَبِ الخَوْفِ، أَوْ بِسَبَبِ المَرَضِ، أَوْ بِسَبَبِ حَرارَةِ يُونْيُو، أَوْ بِسَبَبِ الجوعِ، أَوْ بِسَبَبِ هَذِهِ الأَشْياءِ كُلِّها.
كانَ يَحْمِلُ صُنْدوقاً صَغيراً وعُلْبَةَ سَجائِرَ: إِنَّهُ يَمْتَهِنُ عَمَلَيْنِ في الوَقْتِ نَفْسِهِ: يَبْدو أَنَّهُ مَحْظوظٌ؛ يَبيعُ السَّجائِرَ بِالتَّقْسيطِ، ويُلَمِّعُ الأَحْذيَةَ!
كانَ كُلَّما رَأى سَيّارَةً جَديدَةً لامِعاً لَوْنُها قالَ يُخاطِبُها:
- مَلْعونٌ أَبُوكِ إِلى يَوْمِ الدّينِ!
الأُسْرَةُ السَّعيدَةُ تَتَناوَلُ غَداءَها. الماءُ المَعْدِنِيُّ ذُو الطَّعْمِ الحُلْوِ اللَّذيذِ في قِنّيناتٍ ذاتِ أَشْكالٍ مُثيرَةٍ. الأَطْباقُ البَيْضاءُ النَّقِيَّةُ توضَعُ فَوْقَها السَّلَطَةُ. ثُمَّ أَطْباقٌ أُخْرى أَكْبَرُ قَليلاً وقَدْ مُلِئَتْ بِاللَّحمِ المَفْرومِ الَّذي أَوْشَكَ لُعابُ الطِّفْلِ الآخَرِ أَنْ يَسيلَ شَوْقاً إِلَيْهِ!
ثُمَّ نَزَلَتِ الأَيْدي الرَّشيقَةُ المُدَرَّبَةُ على اللّحْمِ والسَّلَطَةِ بِواسِطَةِ المَلاعِقِ والسَّكاكينِ نُزولاً لا رَحْمَةَ فيهِ ولا شَفَقَةَ!
الفَتى، في الجِهَةِ الأُخْرى، لا اسمَ لَهُ؛ النّاسُ يُنادونَهُ طَوْراً بماسِحِ الأَحْذِيَةِ، وتارَةً بِبائِعِ الدُّخانِ، وتارَةً أُخْرى بِاليَتيمِ. قيلَ أَنَّهُ وُجِدَ مُكَوَّماً داخِلَ خِرْقَةٍ مِنَ الثَّوْبِ البالي داخِلَ بِرْميلِ قُمامَةٍ. اِلْتَقَطَتْهُ امْرَأَةٌ ورَبَّتْهُ ثُمَّ ماتَتْ، فَخَرَجَ إِلى الشَّارِعِ يَلْتَقِطُ كِسْرَةَ الخُبْزِ السَّوْداءَ المُبَلَّلَةَ بِالعَرَقِ والذُّلِّ والخَوْفِ.
حُرِمَ مِنْ تَعَلِّمِ الحُروفِ ومِنْ تَعَلُّمِ الحَنانِ ومِنْ تَعَلُّمِ الأَمَلِ. كانَ يَعْتَقِدُ دائِماً أَنَّ الأَمَلَ شَمْعَةٌ سَوْداءُ قَدْ أَطْفَأَتْها الرّيحُ.. لا يَحْلُمُ بِشَيْءٍ، ولَكِنْ لا شَكَّ أَنَّهُ يَتَأَلَّمُ لِشَيْءٍ واحِدٍ: ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لامْرَأَةٍ ماما، أَوْ لِرَجُلٍ بابا..إِنَّهُ مِثْلَ شُجيَْرَةِ عِنَبٍ صَغيرَةٍ، جاءَتْ جَرّافَةٌ غاضِبَةٌ واقْتَلَعَتْها اقْتِلاعا!
سَميرُ يَنْظُرُ إِلى اليَتيمِ نَظْرَةَ كَراهِيَّة: لَقَدْ أَزْعَجَهُ اليَتيمُ بِنَظْرَتِهِ المُخيفَةِ ولُعابِهِ الّذي يَسيلُ كَالحِقْدِ.. قامَتِ الأُسْرَةُ وهْيَ تَتَثاءَبُ.. دُفِعَ ثَمَنُ الأَطْباقِ وغُسِلَتِ الأَيْدي بِالصّابونِ ثُمَّ رَكِبَ الجَميعُ السَّيّارَةَ الفَخْمَةَ اللّامِعَ لَوْنُها..
نَظَرَ اليَتيمُ صَوْبَ السَّيّارَةِ وقالَ:
- مَلْعونٌ أَبُوكِ إِلى يَوْمِ الدّينِ!
في المَساءِ جَلَسَ سَميرُ أَمامَ الحاسوبِ، انفَتَحَتْ أَمامَهُ عَوالِمُ غَريبَةٌ. مَرَّتْ ساعَةٌ فَشَعَرَ بِالتَّعَبِ، قامَ وتَناوَلَ عَصيراً مُنْعِشاً، ثُمَّ جَلَسَ أَمامَ التِّلِفِزْيونِ: كانَ البَحْرُ أَزْرَقَ أَزْرَقَ، مِنْ بَعيدٍ تَراءَتْ سَفينَةُ القَراصِنَةِ مُزَيَّنَةً بِأَعْلامٍ سَوْداءَ، لا شَكَّ أَنَّ مَعْرَكَةً شَديدَةً سَتَنْدَلِعُ بَيْنَ البَطَلِ وبَيْنَ القَراصِنَةِ.. شَعَرَ سَميرُ بِالنَّوْمِ يُداعِبُ جُفونَهُ، السَفينَةُ اقْتَرَبَتْ، مِنَ الجِهَةِ الأُخْرى يَقْفِزُ البَطَلُ باِرْتِماءَةٍ شُجاعَةٍ فَوْقَ سَفينَةِ القَراصِنَةِ لِيُواصِلَ صِراعَهُ الأَبَدِيَّ الجَميلَ ضِدَّ الشَّرِّ..
كانَ سَميرُ قَدْ نامَ نوما هادِئاً دونَ مَعْرِفَةِ نِهايَةِ الفِلْمِ المُشَوِّقِ.
في الوَقْتِ نَفْسِهِ كان اليَتيمُ يَتَوَسَّدُ قِطْعَةً مِنَ الكارْتونِ المُتَّسِخِ فَوْقَ تُرابِ المَسْجِدِ. رَفَعَ رَأْسَهُ إِلى السَّماءِ فَرَأى نُجومَ يونْيُو وهْيَ تَلْمَعُ بِحَنَقٍ.. تَخَيَّلَ لَوِ اصْطادَ واحِدَةً مِنْها!هَلْ تُشْبِهُ المِصْباحَ؟ هَلْ يُمْكِنُ بَيْعُها؟ وهَلْ يُمْكِنُ أَنْ تُلَمِّعَ الأَحْذِيَّةَ؟!
شَيْءٌ واحِدٌ حَرَمَهُ النَّوْمَ: البَعوضُ والحَشَراتُ الأخْرى اللاّسِعَةُ.
بَدَأَ يَتَقَلَّبُ يُمْنَةً ويُسْرَةً، حَتّى وَجَدَ نَفْسَهُ لا يَشْعُرُ بِشَيْءٍ. نامَ وغَطَّ في النَّوْمِ.
حَمَلَتِ الأُمُّ ابْنَها سَميرَ ووَضَعَتْهُ في فِراشِهِ بِرٍفْقٍ. أَطْفَأَتِ النّورَ فَسادَ ظَلامٌ كَثيفٌ.. وكانَ البَيْتُ خالِياً، ساعَتَها، إِلاّ مِنْ بَعْضِ الأَحْلامِ الّتي تَتَجَوَّلُ جَذْلانَةً بَيْنَ الغُرَفِ!
أَمّا اليَتيمُ فَلَمْ يُغَطِّهِ أَحَدٌ.. النُّورُ لَمْ يَنْطَفِئْ طَوالَ اللَّيْلِ.. لأَنَّ النُّجومَ الّتي كانَتْ مُشِعَّةً في الأَعْلى، هِيَ مَصابيحُ اللَّهِ الّتي زَيَّنَ بِها السَّماءَ
!

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نعيمة القضيوي الإدريسي
عضو



عدد المساهمات : 15
نقاط : 29
تاريخ التسجيل : 13/02/2011

طفلان في المرآة Empty
مُساهمةموضوع: رد: طفلان في المرآة   طفلان في المرآة I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 22, 2011 8:32 pm

هي حالة من حالات،ربما اليتيم هنا كان أكثر حظا من آخرين،فهو على الأقل وجد عملا يسدبه رمقه
نص جميل يصور مشهد من مشاهد الفوارق الطبقية
تحيتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
طفلان في المرآة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعية المغربية للغويين والمبدعين  :: سرديات :: القصة القصيرة-
انتقل الى: