بقلم – رشا محمد
الحسد في اللغة هو أن يتمنى شخص زوال النعمة من شخص أخر وأن تكون له، وهناك فرق بينه وبين الغبطة التي يتمني فيها الشخص نفس النعمة من غير زوالها عن المغبوط، والحسد هو أول معصية وقعت من الخلق عندما حسد إبليس آدم، ثم حسد قابيل هابيل.
وتناول الشيخ فرحات المنجى أحد كبار علماء الازهر الشريف موضوع الحسد بشيء من التفصيل خلال حلقة برنامح "الحياة والدين" على قناة الحياة الفضائية، موضحا كيفية أن يحسد الشخص نفسه بالقول "لقد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في ثمان آيات قرآنية في المضارع والماضى والمصدر ولم يذكر فعل الأمر لأنه عزل وجل لن يأمرنا أبدا بالحسد إنما نهانا عنه".
في البداية أوضح المنجي أن الحسد حرام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا} . وعن أبي هريرة قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد }، وقوله صلى الله عليه وسلم : { إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب }.
حسد النفس
واوضح المنجي أن الإنسان يمكنه ان يحسد نفسه وقد أوضح الله سبحانه وتعالى ذلك في صورة الكهف حيث قال "واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين من اعنب وحففنهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا، كلتا الجنتين ءاتت أكلها ولم تظلم منه شيا وفجرنا خللهما نهرا، وكان له ثمر فقال لصحبه وهو يحاوره انا اكثر منك مالا واعز نفرا، ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما اظن ان تبيد هذه ابدا، وما اظن الساعة قائمة ولئن رددت الى ربي لاجدن خيرا منها منقلبا، قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سويك رجلا ، لكنا هو الله ربي ولا اشرك بربي احدا، ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله ان ترن انا اقل منك مالا وولدا، فعسى ربي ان يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا، أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا، واحيط بثمره فاصبح يقلب كفيه على ما انفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يليتني لم اشرك بربي احدا".
وأشار الشيخ فرحات إلى أن الإنسان من الممكن أن يحسد أقرب الناس إليه مثل ابنه، وذلك عندما يقول أنه ذكى أو جميل أو انه في وظيفة جيدة، لأنه وهو يتحدث بهذا الأمر لا يكون مسيطرا على الاشعة اللى تخرج من العين .. والرسول صلي عليه وسلم قال يجب إن تقول "بسم الله ماشاء الله، اللهم ما بارك لنا على هذه النعمة".
والجن يستطيع أن يحسد مثل الإنس تماما، فالفتاة مثلا عندما تنظر إلى المرآة فترة طويلة أو عندما تتعرى فأنها بذلك بتغرى الجن، وعندما يدث لها شىء يقولوا أن الجن لبسها إلا أنه حسدها فقط .. كما من الممكن أن يحسد الجن الشاب أيضا عندما يقوم بالنظر في المرآة، لذلك يجب التسمية "بسم الله الحمد لله" حتى نمنع عين الجن والانس أيضا، وقبل أن ندخل الحمام نقول "أعوذ بالله من الخبث والخبائث" وذلك لحماية أنفسنا من الجن.
وانتقل الشيخ إلى أنواع الحسد بأنه نوعين الأول أن يكره الشخص النعمة على المحسود مطلقا وهذا هو الحسد المذموم ، إما الثاني فهو أن يكره فضل ذلك الشخص عليه فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه وهذا هو الغبطة .
وأوضح أن للحسد مراتب تندرج تحت عدة أقسام هي:
- يتمني الشخص زوال النعمة عن الغير .
- يتمنى الشخص زوال النعمة ويحب ذلك وإن كانت لا تنتقل إليه .
- يتمنى الشخص زوال النعمة عن الغير بغضا لذلك الشخص لسبب شرعي كأن يكون ظالما.
- ألا يتمنى الشخص زوال النعمة عن المحسود ولكن يتمنى لنفسه مثلها، وإن لم يحصل له مثلها تمنى زوالها عن المحسود حتى يتساويا ولا يفضله صاحبه .
- يتمنى لنفسه مثلها فإن لم يحصل له مثلها فلا يحب زوالها عن مثله وهذا لا بأس به.
الرقية الشرعية
وعن وسائل العلاج من الحسد أكد المنجي ان الرقية الشرعية هي أحد وسائل علاج الحسد، إذ كان جبريل عليه السلام يرقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها.
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل، قال: "باسم الله يبريك، ومن كل داء يرقيك ومن شر حاسد إذا حسد، وشر كل ذي عين".
وعن أبي سعيد: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، اشتكيت؟ فقال: "نعم"، قال: "باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أوزيك حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك" .
وفي إحدى المرات أتي شخص إلى النبى وعرف أنه محسود فقام بالذهاب إلى الحاسد وطلب منه غسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وأطراف قدميه وجمع ماء الغسل ورشه على ظهر المحسود كما فشفي من الحسد، كما رواه مالك وانس وأحمد.
والرسول كان يرقى دائما احفاده الحسن والحسين قائلا "أعوذ بكما بكلمات الله التامات من كل الشياطين ومن كل عين لائمة".
ويشير الشيخ فرحات إلى ضرورة أن يقوم كل إنسان عندما يري شيء جميل أو يدخل أي مكان أن يقول "بسم الله ماشاء الله لاقوة إلا بالله" ثم قراءة المعوذتين".
وعلى الإنسان أيضا أن يحصن نفسه يوميا من الحسد، فالرسول كان يقرأ قبل النوم الفاتحة وأية الكرسى والاخلاص والمعوذتين.
وفي نهاية الحلقة ركز المنجي على عدة نقاط اساسية للوقاية من الحسد تندرج في الخطوات التالية:
1- التحصن بالله والتعوذ به سبحانه وتعالى وذلك بالمواظبة على ذكر الله بعموم، والاستعاذة من شر الحاسد إذا حسد، وكذلك العائن بخصوص، فإن هذا الذكر أكبر حماية وحصانة للعبد من شر شياطين الجن، وشياطين الإنس.
2ـ تقوى الله عز وجل والمتمثِّلة في توحيده سبحانه والإقلاع عن المعاصي، والمواظبة على فعل الطاعات.
3ـ الصبر والتحمل وألا يقوم الشخص بإيذاء نفسه بالحسد، خاصة ان تمادي الحاسد والعائن يكون سببا في هلاكه من حيث لا يدري ولا يشعر.
4 ـ التوكل على الله، وذلك بالأخذ بالأسباب التي مضت مع الاعتماد التام على الله ـ عز وجل ـ فإن هذا التوكل بهذه الصورة من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطِيق من أذى الخلق، وظلمهم، وعدوانهم.
5ـ التوبة النصوح وذلك من خلال تذكر نعمة الله عليه، والمحافظة عليها والأدب مع هذه النعمة، وعدم استخدمها في معصية الله عز وجل فيدخل في القلب الخوف من الله ومن عقابه وبالتالي يقلع عن هذه الأفعال، ويرد المظالم إلى أصحابها فورا، ويعزم عزما أكيدا ألا يعود إلى هذا الطريق مرة ثانية.
6ـ الإحسان إلى الحاسد والعائن، وذلك بالكلمة الطيبة، والهديَّة، والصدقة، وإطعام الطعام، والاحترام، والسؤال، والتهنئة بنعمة، والمواساة في الشدة، والإفساح في المجلس.