الجمعية المغربية للغويين والمبدعين
الجمعية المغربية للغويين والمبدعين
الجمعية المغربية للغويين والمبدعين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الجمعية المغربية للغويين والمبدعين

ابداع بلا حدود
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولالعقد الفريد

 

  الدكتور محمد عمر أمطوش -حول ترجمة الإبداع الأدبي- منقول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالغني صراض
مدير عام
عبدالغني صراض


عدد المساهمات : 35
نقاط : 89
تاريخ التسجيل : 01/09/2010

 الدكتور محمد عمر أمطوش -حول ترجمة الإبداع الأدبي- منقول Empty
مُساهمةموضوع: الدكتور محمد عمر أمطوش -حول ترجمة الإبداع الأدبي- منقول    الدكتور محمد عمر أمطوش -حول ترجمة الإبداع الأدبي- منقول I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 26, 2010 9:46 am

ct]الجدل حول ترجمة الإبداع الأدبي قديم و لكن الحديث عن تدريس ترجمة الأدب جد يدفي الغرب (وقد افتتحت لذلك أقسام داخل الجامعات الغربية تدرس ترجمة الأدب). ونقدم فيما يلي بعض المواقف المعبرة عن هذا التوجه في تدريس الترجمة داخل الدول الغربية وهي مستمدة من وقائع الملتقى الدولي الذي نظمته الجمعية الأوروبية للسانيين والمترجمين المهنيين في 1991. وقصدنا من هذا العمل هو نقل طبيعة ومواضيع هذا الجدل إلى من المتهم العربي ليكون على بينة مما يقوله الأخر في ميدان مهم لطلاب الترجمة.

الترجمة المتخصصة والترجمة الأدبية[1]

هدف هذه المداخلة هو تحديد الفرق بين ما نسميه "الترجمة المتخصصة" و "الترجمة الأدبية". والفرق بين هذه "الأجناس" من الترجمة هو فرق في المجال والموضوع والهدف. و التصنيفية التي يقدمها الكندي دوليل Delisle والألماني ريسReiss تعارض "ذرائعية" النصوص التي تهما الترجمة المتخصصة "تعبيرية" النصوص التي تخص الترجمة الأدبية. ولا يتطلب الأمر تخمينا طويلا لملاحظة نقائص هذا التفريق؛ إذ أن كثيرا من النصوص المتخصصة ليست بذرائعية وهي حالة الكثير من النصوص القانونية وأغلب النصوص الأدبية لا يمكن التعامل معها انطلاقا من مفهوم "التعبيرية".

وهناك اتجاه آخر يرى أن الفرق المذكور ليس إلا فرقا سطحيا. يقول هورتادو ألبيرHurtado Albert وهو من تلامذة سليسكوفيتش Danika Séleskovitch[2] : ’’ الترجمة التقنية وترجمة الشعر هي نفس السيرورة ونفس المنطلق بتطبيقات مختلفة[3]. وإذا سلطنا هذه الرؤية على جانب التحرير والكتابة نجد أن هذه التأكيد يعني أن كتابة قصيدة وكتابة مذكرة مهنية تسايران نفس المبادئ وتتعامل مع نفس الصيرورة العرفانية والإدراكية باستعمال عبارات هذه المدرسة .

الفرق بين نوعي الترجمة يتجلى تجريبيا، فعمليا قلة من المترجمين المتخصصين هم في نفس الوقت مترجمو أدب والعكس صحيح. رغم أن هذه القاعدة لها استثناءات. ويمكن أن نقول دون تخوف أنه يستحيل العثور على كبار المترجين المتخصصين والذين هم في نفس الوقت مترجمو أدب. ليس فحسب لاستحالة التوظيف لفرد بنفس القدرة في العمليتين وهذه الاستحالة تحيل في العمق إلى الفرق الجدري بين العمليتين وأيضا لمجالات هاتين العملتين.

ولمقاربة هذه الفروق والتي حللها حسب معرفتي في الأول فريدريك شليمرشور Friedrich Schleimacher في نص يعود إلى 1813. حول اختلافات طرق الترجمة[4]. ويستحسن العودة إلى الفروق المنبعية بين النصين ونوعية النصوص التي تتعامل معهما كلتا الطريقتين في الترجمة. وهذه العودة هي صعبة لأنه في الحقيقة هناك تداخل بين النصوص المتخصصة والنصوص الأدبية.

وعلينا الاعتراف بهذه التداخلات وفي نفس الوقت التأكيد قطعا بوجود فرق بين أنواع النصوص. فالنصوص الفلسفية مثلا تتضمن عناصر متخصصة و مع ذلك فهي ليست سردا متخصصا. وكذلك الكتابات العلمية يمكن أن تتضمن عناصر بلاغية أدبية دون أن تكون هي في حد ذاتها ’’أدبية‘‘ وكالكتابات العلمية التبسيطية وما أكبر أهميتها لتوصيلية العلوم والتقانة تتضمن عناصر أدبية دون أن تكون من الأدب في شيء. إلخ

ونقارب الفرق بين المتخصص والأدبي ( بالمعنى الواسع) بالقول بأن النصوص المتخصصة تندرج في خانة إيصال وإبلاغ معلومات محددة أي أنها تدخل في خانة التواصل وعلى العكس فالنصوص الأدبية تدخل في خانة توصيل تجارب عالم إنساني وجودية فهذه التجارب تتجمع وتتمفصل في مؤلفات متفردة منتمية في كل حالة لجنس محدد ( الشعر القصة المقالة المسرح...)

ترجمة النصوص المتخصصة ـ أي ترجمة "رسالة" ـ تتملك في نفس الوقت مضمونا محددا وشكلا سرديا معينا ومصطلحية محددة وهدفا معينا.

ترجمة كتاب أدبي هو ترجمة مجمع نصي متفرد وفيه توجد وحدة هي بنفسها متفردة بين ’’الشكل‘‘ و’’الموضوع‘‘ و’’اللغة‘‘ و’’القول‘‘. و يتجلى هنا أكيدا العنصرين المشتركين : الرسائل والأعمال الأدبية هي ذات طبيعة لغوية وهما ـ الرسالة والإبداع ـ نقل لــ... و ملازمة لذلك، تكون ترجمتهما إعادة بقل وتوصيل لنقل سابق ولكن هذه التقارب هو شكلي لأنه من ناحية من اللغة ونوعية النقل والمنقول يختلفتان في كلتي الحالتين.

فللنص المتخصص تكون اللغة وسيلة وآلة التواصل.

وللنص الإبداعي تكون اللغة واسطة إيحاء للكائن في عالمه.

في حالة النص المتخصص فالموصَّل هو مجموعة محصورة من المعلومات المحددة ذات علاقة بميدان هو نفسه محدد وتندرج تحت هذا الصنف ما نسميه اليوم بالتقنعلميات.

والتحويل اللساني لهذا الصنف يساير مجموعة من القواعد السوقية المحددة:

- النص الأصلي يجب أن يوصل بطريقة واضحة مضمونة وفعالة؛

- النص الأصلي موجه لجمهور معين س وتحويله اللساني يجب أن يساير الجمهور الجديد المعين س؛

- النص الأصلي له هيكلة سردية محددة لدرجة معينة بمحل إنتاجه (بعبارة جواديكGoudec في النحو الثقافي) ، و وترجمته تتطلب تحويره لدرجة محددة، وهذا النقل يجب أن يساير "النحو الثقافي" لمحل نقله ليكون بحد ذاته مقبولا.

هذه القواعد هي مطلقة. وتحدد بدورها مناهج تجعل من تحويل المعلومة عملية مقبولة. ولذلك نلاحظ يوما بعد يوم نوعا من التقانية المتطورة للترجمة المتخصصة. ومنه نفهم المسلمة التي تقول بأن الترجمة التقنية هي نفسها عملية تقنية. وبحيث أنها تقنية فهي بالتالي تنتمي إلى عالم تقني. وحوسبتها التي يتزايد توسعها تحولها إلى ’تقنترجمية‘. وهذا لا يعني بتاتا بأن الترجمة الآلية أو شبه الآلية هي منتهى التقنترجمية. لأنه لا يوجد اليوم نظام (ولا في الغد القريب) يمكنه توليد العمليات التأقلمية المطلوبة للترجمة المتخصصة.

... وبسرعة سأحدد في نفس الوقت حقل وموضوع وهدف هذه الترجمة. فحقلها هو ذلك الفضاء التواصلي : التقنعلميات. وليكون هذا الفضاء ممكن الوجود فيجب أن تترجم سنويا ملايين وملايين الصفحات المتخصصة ويجب أن تترجم بطريقة وسيرورة هي نفسها تقنعلمية.

وموضوع الترجمة المتخصصة هو ذلك المجموع المتنوع من الرسائل الحاملة للمعلومات والتي تمكن من نشر التقنعلميات.

هدف الترجمة المتخصصة هو نقل أمين وسريع ومربح لهذا الزخم من المعلومات؛ الأمانة والسرعة والربح هي المقاييس الأساسية. وطرق الترجمة المتخصصة يجب أن تقابل وتساير هذه المقاييس الثلاثة.

ويجب التذكير بسمة أخيرة لهذا النوع من الترجمات: هي ليست قطعا بطريقة تحويل منعزلة أو حتى مستقلة. فهي مرتبطة بنظام سبل هو سلسلة التواصل نفسها: التحرير والتوثيق والمصطلحية والجملية والنشر. وخارج هذا النظام ـ وهو غالبا غير تام التنظيم ـ فليس للترجمة وجود.

ترجمة الأشعار والأدب والفلسفة والنصوص الدينية وكثيرا من كتب العلوم الاجتماعية إلخ. تنتمي لحقل آخر للإنتاج الإنساني ألا وهو حقل الإبداع.

كل تخمين متعمق بعض الشيء حول الترجمة "الأدبية" تؤدي إلى تفكير حول مكانة الإبداع وليس فحسب الإبداعات اللغوية في الوجود الإنساني. وإذا كان طغيان العلوم التقنعلمية في هذا الوجود وضع جديد، فإن الإبداع ظهر في تاريخ الإنسانية منذ أزمنة سحيقة. الحياة الإنسانية خلقت إبداعا ملازما كليا لها. ومن هذه الأعمال الإبداعية وفي قمة هرمها توجد الإبداعات اللغوية. وفي هذه الأعمال يتجمع ويتكثف ويتمفصل ويتجلى وجودنا كبشر في هذا الكون.

الإبداعات اللغوية هي مغروسة دائما في لغة، وفي ’’هذه اللغة بالذات‘‘. ولكن في نفس الوقت ما يكتب في هذه اللغة يمكن أن يكتب بلغات أخرى ويمكن أن يصبح كونيا عالميا؛ والخروج من محلية يعني هجرة من لغة إلى لغة وهذه الهجرة تأثر، كما فطن لذلك جوته، في معنوية وإشعاع النص الأصلي.

ترجمة الأعمال الإبداعية اللغوية هي حركة تنفعل في نفس الآن فيها:

* هجرة الأصلي وهو ما أسماه Ben Jaminبنجامينüberleben حياته المستمرة؛
* تحويل ظاهرة الوجود في الكون من الأصلية إلى لغة أخرى؛
* توسيع أو تحويل عن طريق هذا النقل من اللغة المترجَمة واحتكاكها باللغة الترجمة. لأنه وانطلاقا من العلاقة الحميمة بين الأصلي ولغته كل نقل لعمل إبداعي هو نقل لجزء من أشكاله اللغوية. هذا التوسيع للغة المترجمَة بترجمة الأعمال الإبداعية تتبع طرقا متنوعة بحسب مستوى الانفتاح المتغير تاريخيا والثقافة المستقبلة.

في كتابه دفاع وتمجيد للغة الفرنسية يتحدث دوباليDu Bellay عن ’’قانون الترجمة‘‘ والذي يلزم بعدم الابتعاد عن نسيج النص لأصلي. ترجمة الأعمال الإبداعية تخضع لقانون غير معلن عنه في أي مكان، ومع ذلك هو واقع موجود، ألا وهو الأمانة للنصوص الإبداعية. وإذا يتوجب أن تكون الترجمة المتخصصة موثوق بها فإن ترجمة الأعمال الإبداعية تتطلب الأمانة للأصل وهو ما يعني بالضرورة : الحرفية لنسيجية النص. الأمانة الحرفية أو النسيجية لا تعني أي نقل حرفي بدائي بل هي تمكن من العديد من أشكال التحويل.

الوعي‘‘ بقانون الترجمة‘‘ كان دائما موجودا على الأقل منذSaint Gérôme القديس جيروم[5] ولو أن هذا القانون دائما ما انتهك. بيرو دابلانكورPerot d’Ablancourt ـ مشهر ’’الخيانات الوفية‘‘ أي ترجمات أدبية ذاتية التمركز ومحورة ـ يعترف هو ذاته بوجود هذا ’’القانون‘‘ والذي ينجر عنه ليس قواعد فحسب بل منظومة من المبادئ المقننة بتعبير كانط.

وسنسمي المبدأ الأسمى لترجمة الأعمال الأدبية ’’مبدأ قابلية التقليد‘‘ مقابل مبدأ قابلية التوصيلية بالنسبة للترجمة المتخصصة. فماذا يعني ذلك؟ كلمة التقليد[6] تتضمن معنى نقل تجربة الإنسان من جيل لجيل.

وإذا كانت الإبداعات اللغوية وقبل أن تغدو أعملا أدبية هي تجل لتجارب، فهدف ترجمتها هو ضمان التناقل الما بين لغوي لهذه الظواهر وتحمل مسئولية ضمان استمرار حياتها. هذا النقل إذا أردنا أن يكون وفيا فيجب أن يكون نقلا للنسيج اللغوي وهو دائما الحقيقة الكامنة لكل نص إبداعي. الترجمة هي نقل أشكال التجارب. ولكن نقل أشكال التجارب هو ما نسيمه دائما ’’بالتقليد‘‘ قبل أن يدل لفظ التقليد على ثقل ماض جامد. ترجمة الأعمال الأدبية من أعمال من الماضي أومن الحاضر القديم هي مقلدة والتقليدية والأمانة والحرفية هي المبادئ الأساسية. ومن الأهمية بمكان أن نتشرب بهذه النظرة للترجمة إلى النصوص الإبداعية نظرا لأن عالم الإبداع اليوم و’’التقاليدية‘‘ ونقل التجربة مهددون بتوسع عالم التوصيل ’’التقنعلمي‘‘. هذا التوسع إذا ترك بلا رد فعل ولمنطقه الذاتي سيخرب كل ما هو أساس التقليد. ونعرف جميعا ذلك والتأكيد عليه ليس بتهرب.

من يقول بأن ترجمة قصيدة يساير نفس مبادئ ترجمة وصفة دواء هو أكثر من واهم فذلك يرجع بالترجمة الأدبية إلى مستوى ترجمة النصوص ’’التقنعلمية‘‘ و التهرب بحشر الرأس في الرمل من المهمة الني نتكلم عنها اليوم.

وبالعكس فرفع التعارض لمداه الأقصى بين صنفي الترجمة ( وإن أعطينا صورة العائم في عموميات جدلية، ومهما كان) بذلك نمكن الترجمة المتخصصة من أداء رسالتها التوصيلية ولترجمة الإبداعات الأدبية من أداء مهمتها ’’التقاليدية‘‘. والأمر ملح اليوم لأنه لأول مرة في التاريخ أصبحت الترجمة بتنوع أصنافها مادة قابلة للتدريس في المؤسسات أي أنها دخلت عالم الجامعات الذي هو ميدان وإن لم يكن الوحيد إيصال المعرفة والمعارف والخبرة والتجربة الحرفية. وما على الجامعة إلا تدبير طريقة تعليم ترجمة النصوص المتخصصة بالموازاة مع تعليم ترجمة النصوص الإبداعية ويعني ذلك تحمل مسئولية عبأ محرك التواصل و عبأ المحافظ على ’’التقاليدية‘‘. ومعرفة تحمل هاتين المسئوليتان برفض ’’تقنوية‘‘ تعليم ترجمة النصوص الإبداعية عن طريق علوم اللغة والآداب ذلكم هو التحدي الكبير الموجه للترجمة والذي يهم وجودها داخل الجامعة محل التوصيل الكوني.

منهجية تعليم الترجمة الأدبية (أ)[7]

بداية لا أتقبل أن أفرض على زملائي المتدخلين طريقة توجيهية في التدخل لأنهم عارفون بما يجب قوله. وافتتاحا ازرع بعض المعالم طارحا الأسئلة التالية التي اخترتها من بين ما يمكن طرحه في هذه المناسبة بأمل وأن لم تستفز أن تمكن على الأقل نقاشا واسعا وحرا والذي أستضيف له الجمهور.

وأسئلتي تتمحور حول ثلاث نقاط :

هل يمكننا تدريس الترجمة الأدبية؟

ما نهدف حين ندرس الترجمة الأدبية؟

كيف ندرس الترجمة الأدبية؟

وقبل التطرق بسرعة لكل من هذه الأسئلة أذكر بما قلته مع بعض مسئولي الجمعية الأوروبية لمترجمي الأدب وكان قبل انفصالنا بالجمعية الفرنسية للمترجمين، وكنت أحاول أنئذ الوصول لاتفاق مع الناشرين حول عدد من المسائل التي تهم مزاولة الترجمة الأدبية؟ وأمام انزعاجهم من كثر إلحاحي على التأكيد من جهة على الخصائص النوعية ( والتي يعرفها لوحدهم الناشرون لداريتهم بجمهورهم) ومن جهة ثانية ’’ كون جميع المترجمين لا يشتغلون كلهم بشكل جيد‘‘ وأتذكر حجة كنت أسوقها غالبا في لقاءاتي معهم :’’ هل إذا طلبت من نجار صنع شيء هل تنطلق من مبدأ أنه مفسده لا محالة؟‘‘

وإذا أقصينا طبعا ومن البداية فرضية أن تكون ترجمة ما عبقرية ( فلن تكون كذلك إلا زيادة وحاصل إضافي والتقول بالعكس هو من قبيل الدعاية وبس) ولا مجال للانطلاق من مبدأ أنها ستكون تقريبية اللهم إذا تم الاختيار الأسوأ عمدا متعمدا من بين الثلاث شروط التي تذكرها المترجمة الجيدة ماري كفاناجياMarie Canavaggia: ’’يطلب مني العمل بسرعة وجيدا وبتكلفة زهيدة ولكنه لا يمكنني القيام بالأمور الثلاثة جميعا، أحاول أن أترجم جيدا وبثمن زهيد ولا أحبذ أن يطلب مني السرعة‘‘ شروط مزاولة الترجمة الأدبية تغيرت بعد الخمسينيات، ومن الأكيد ولأسباب يسهل فهمها خيرة المترجمين أنفسهم يحاولون العمل بسرعة، ولكني متأكد بأنهم يوما ما سيسمعون ما يزعجهم أو يجدون سهما في سطور تعاليق الصحافة والغالب في تعاليق الصحافة أنها تتناول غالبا المترجمين المتلبسين.

السؤال الأول هل يمكن تدريس الترجمة الأدبية؟ الجواب ليس بالضرورة إيجابا. يمكن أن نقول (كما يفعل البعض ومنهم كبار أن موهبة مترجم الأدب ترتكز على ذوق قد يكون فطريا فكيف يمكن أن نعرف ذلك؟) أن التقاطع هو ليس داخل لغة بل بين لغتين وبالتالي فهذا الذوق لا يمكنه أن يدرس. ومن جانب آخر ولتاريخ قريب تراجمة الأدب تكونوا بالتجربة أو جاءوا من تكوين متقاطع أو مواز عن طريف معرفة لغة أخرى وموريس إدجار كوندروMaurice Edgar Cointeau مثل نموذجي فقد حصل على إجازتين في القانون وفي الإسبانية وقد حصل على التبريز في الإسبانية قبل أن يمضي حياته معلما للفرنسية في برانستاون و بالموازاة استمر يترجم القصص الأمريكية كما نعرف. أو عن طريق اهتمام عام باللغة وسأتعجب إذا كان فيليب جاكوPhillipe Jacot مترجم موسيلMusil وغيره من الكتاب الألمان والإيطاليين حاصلا على أدنى شهادة في اللغات. وقد يلاحظ على أن هذا شأن كل الميادين الفنية( لا أقول بأن الترجمة الأدبية مادة فنية وفي الحقيقة فإنني أظنها وسطا بين الفن والعلم وهو ما يقوي من أهميتها وخاصة على المستوى المعرفي ولكن ذاك هو ما يجعلها أيضا صعبة للتدريس ككل ما هو قبل كل شيء : تجربة) هل نولد أو نتحول مهرجا أو عازفا؟ مهما كانت الإجابة فلا أعرف واحدا تكون في شيء لوحده بلا تعليم فهناك خلفه، على الأقل ، كتاب بمثابة موجه أو معلم. الجواب إذن مهما كان دور الفطرة يتوجب اكتساب. ومهما كانت الطريقة المختارة (مدرسة أو مرب) يتوجب تدريس يمكن من تكوين. وما هي مكونات هذا التدريس؟ وهو السؤال التالي الذي طرحت.

يخال لي أن تكوينا في الترجمة الأدبية يجب أن يكون المترجمين لمهمتهم المستقبلية الترجمة للناشرين. هل هو تحصيل حاصل؟ على العكس لأنه يوجد تأويلان ممكنان لهدف التكوين في الترجمة الأدبية. الواحدة يرى في الترجمة وسيلة، وسيلة ضبط وامتحان المعرفة باللغة الأجنبية و لهذا أتخيل أن التمارين المدرسية في الترجمة كافية لهذه المهمة وإنني أتعجب أن أجد في العديد من الكتب المدرسية الحالية (والتي تعتبر ذاتها كتبا مدرسية للترجمة وربما وفي النهاية ونظرا للتقلعة الحالية حول الترجمة) كتب تعجيم إضافية لا غير. ويمكن أن نفهم هذه الظاهرة إذا قاربناها من وجهة سوقية لكون جل جمهورها من الطلاب المدرسين حيث لازالت تمارين التعجيم تمارين أساسية. ولكن لا يمكننا أن نسير في عملية الاستيعاب بهذا النوع من التمارين التي هي في آخر المطاف جانب فحسب من عملية الترجمة الأدبية ولا يمكن أن نختزل مجازا هذه الترجمة الأدبية إلى هذا النوع من التمارين. إذن في الترجمة الأدبية نوع من الوسائل التعليمية وهو ما يعرفه بحق كل من تعرض في أقسام الدراسة لتمرين ’’الترجمة‘‘ من وإلى الإنجليزية أو من وإلى الألمانية كما كانت في سابق الزمن الترجمة من وإلى اليونانية والإغريقية. وللتذكير فقد لوحظت هذه المفارقة وانتقدت طريقة تعليم اللغات الحية كلغات ميتة( وهو ما تؤدي إليه بالفعل هذه التمارين). وزيادة على ذلك فهناك مجال الترجمة الأدبية كميدان بحث ودراسة و حسب علمي هو مهجور للساعة ( إذا استثنينا موضعين في أوروبا حيث تدرس بمثابرة : جامعة لوفان وكوتنجام) فلم تدرس إلا من خلال علمين : الأسلوبية المقارنة( والتي تختزل كثيرا إلى سلسلة من تصانيف عمليات الترجمة) واللسانيات التقابلية التي تهدف إلى تنظير هذه العمليات باستعمال أجناس لسانية الملفوظات.

كيف ندرس الترجمة الأدبية ؟ وهو التساؤل الثالث الذي طرحته.

هل هناك طريقة أكيدة لا تمكن فحسب من حل المعضلات التي يطرحها النص المراد ترجمته بل من حلها جيدا من طرف المترجمين المقدمين؟ وأوجه الاهتمام إلى مشكل يطغى على الباقي ألا وهو مشكل : ما هو نصيب كل من شروط النص وشروط اللغة؟ كيف نحسم إذا وجد خلاف وهو ما يحدث بخصوص كلمات أو تعابير حين يكون هناك تعارض بين المستعمل المتواتر في اللغة كما يقول اللغويون والاستعمال الخاص في النص وخاصة إذا كان ذلك الاستعمال الخاص متكررا؟ عموما لا توجد طريقة وحيدة على الأقل حسب علمي لسبب اسميه : سببا ’’نظريا‘‘. الإبداع الأدبي خادع متقلب وبالتالي وتحديدا فالمشاكل التي يطرحها لا يمكن التخمين في حلها قبل حدوثها. وأسوق على سبيل المثال المشاكل ’’الأدباتية‘‘ المتزايدة الحدة التي تطرحها ترجمة الأعمال الأدبية الأكثر ’’حداثية‘‘ ( كأعمال الكاتب ميشل دوجيMichel Deguy) والتي تفرض سالف المعرفة بقصص الفروسية الأوروبية في القرن السابع عشر... يجب إذن تطوير النظرات التقاطعية في كر وفر دائم بين مفاهيم (أحيانا غامضة) كالجنس والأسلوب أو اللغة(’’اللغة المغلقة‘‘ هل درست؟) والأصناف، كأشكال الأسلوب وأيضا ـ وفي العموم ـ مطرزات السرد. هذا السرد الذي يجب أن يظل على الدوام وفي كل الأحوال أساس كل تخميننا وكل اعتباراتنا ولو اللسانياتية حين الحديث عن الترجمة الأدبية.

وللختام أقول كلمة عن ما لم أتطرق له أي ماذا يجب لتكوين مترجمي المستقبل. وأنا أنطلق من تصور يرى غاية مهنية بعد سنوات دراسة (4-5 سنوات) وشعوري على هذا الصعيد أنه متأخر أن تدرس الإنجليزية وخاصة بالتمارين وحدها. وبالعكس ولن يعارضني الناشرون في هذه النقطة فليس متأخرا تعليم اللغة الأم وذاك شبه تحصيل حاصل أن يقال بأن اللغة الأم تُــرجع دائما إلى المدرسة أقول: بأنها وجدت لذلك.

منهجية تعليم الترجمة الأدبية (ب)[8]

في رسالة أرسلت لكارليلCarlyle في سنة 1828 يقول جوته : ’’ مهما قلنا في عيوب الترجمة فإن هذا النشاط هو يبقى النشاط ألأساسي والأكثر اعتبارا وسموا في سوق التبادل العالمي الكوني[9]‘‘

الأهمية الحالية للترجمة تظهر بوضوح في إحصائيات مختلف المنظمات[10] : من الأرقام التي قدمتها شركة كاشو Gachotصاحبة نظام سيستران في عام 1982 فقد أنتج في العالم 150000000 صفحة ترجمة وشغل ذلك 175000 مترجما مهنيا ويبلغ العوائد ثلاث مليار دولار أمريكي.

ومنظر كلوي كيلي Louis Kelly يسطر الدور الأولي لهذه النشاط منذ التاريخ القديم :

تدين أوروبا الغربية في تحضرها للمترجمين. من الإمبراطورية الرومانية وصولا للسوق المشتركة. فالتجارة الدولية والإدارة ما كانت ممكنة إلا بـالترجمة[11].

ومع ذلك فلم يبدأ بالتفكير في تقنين تكوين المترجمين إلا منذ زمن ليس ببعيد وانحصر هذا التكوين في المجالات العلمية والتقنية وهذا ما نلاحظه في دروس مدرسة الترجمة بباريس وغيرها من الجامعات والمعاهد، تاركا الترجمة الأدبية لحقل اللا قابل للتوصيل إذا استثنينا بعض التجارب الرائدة كتجربة مدرسة الترجمة ببروكسيل. وهذا الوضع يفسر بأسباب تاريخية انطلاقا من فكرة القديس جيروم بأن الترجمة مستحيلة وبالتالي فهي بالضرورة فاسدة :

’من الصعوبة أن تجد جيد ما كتب بلغة ما محتفظا ببريقه في ترجمة[12]‘ .

وهذا التصور سوف يبقى حيا طوال التاريخ الأدبي. فإعادة الترجمات شاهد على عيب ونقص الترجمة الأدبية. وأمام هذه الصعوبات فلم يبق إلا التشديد على ميزات المترجم. ونجد أجل تعبير عن هذه في تصريح بودلير Baudelaire حول إيجار بو Egar Poe:

فقد كتب لبعض أصدقائه ’هل تعرف لماذا ثابرت لترجمة بو؟ لأنه يشبهني وأول مرة فتحت كتابا له رأيت بهلع وفرح ليس فحسب موضوعات تخيلتها بنفسي ولكن جملا فكرت فيها وقلدها هو عشرين سنة ماضية[13]‘.

ونجد شكلا معاصرا لهذه الإشادة بميزات المترجم وخصوصية الصنف عند إدمون كاري Edmond Cary :

’الترجمة الأدبية هي من الآداب وترجمة الشعر من الشعر ودبلجة الأفلام من الأفلام وهلم جرا ومع ذلك فلا يمكن للغوي أن يتجاهل كلا من هذه الأصناف فالدراسة اللغوية تبقى دائما مقدمة وليس قطعا تفسيرا شاملا لطبيعة العملية[14]‘.

وإذا أضفنا لذلك حرية واستقلال المترجم في التعامل مع مادته واحتراسهم العام من كل ما يحمل فكرة القاعدة والتنظير يمكن أن نتساءل هل من الممكن تدريس الترجمة الأدبية بطريقة أخرى غير تقليد شيخ. وموقفنا بخصوص تعليمية الترجمة[15] تدفع بنا إلى اتخاذ طريقة أكثر هيكلية دون جهلنا بأنها لا تمكن من نقل كامل للقدرات.

نرى أن تكوين مترجمي الأدب يجب أن ينظم حول ثلاث محاور أساسية : مقاربة نظرية، وتدريبا مكثفا مستنيرا للعملية ذاتها، وعرضا لتاريخ الترجمة ونظرياتها. وسنكتفي فيما يلي بعرض النقطة الأخيرة لقلة الوقت والطول ولأنها نقطة طالما تم تجاهلها في إطار التكوين. وهذا الجهل مضر على الأقل لسببين: فهو يخفي أهمية تاريخ المترجم والترجمة ويخفي المجهود قبل لساني في التنظير. وبطريقة أخرى يجب الاهتمام بتدريس تاريخ الترجمة ونظرياتها أو بطريقة أعم "النقاش الذي ولدته الترجمة " لتنمية وعي المترجم التاريخي بهذا النشاط الذين هم مقبلون على مزاولته وتقديره والإعداد لتحليله.

الترجمة هي ظاهرة ثقافية مشرفة ولكونها كذاك فهي تمتلك ماضيا وعلى من ينوي امتهانها الغوص فيه وفحصه ووصفه ودراسته. ويعلمنا تاريخ الترجمة ليس فحسب تنوع الطرق العملية المتعايشة أو التي توالت بل أيضا لأن المترجمين ما فتئوا يكتبون ويفكرون في نشاطهم. هذه الكتابات التي رأى جورج مونان[16] Georges Mounin إليها أحد كبار المنظرين الحاليين بنزع من التعالي:

’بجمعهم كل على حدا هذه المادة كلها نحصل على كم تجريبي بالأكيد غير قليل ولكنه تجريبي مع ذلك[17]‘.

ويظهر لنا أن قراءة لهذه النصوص في سياق تاريخي تشكل أول لقاء مع شكل أولي للتنظير وأيضا مع المحولات النقدية الأولى للترجمة.

إن المبدأ المشهور للقديس جيروم: " منذ شبابي لم أترجم كلمات ولكنني ترجمت أفكارا[18]" مهم لأنه أسس طريقة للتعامل لازالت حية اليوم في بعض المدارس الفكرية. ولا يقل عن ذلك أهمية الملاحظات المحلية أو المحددة لمترجم ما حول الصعوبات الخاصة والتي يمكننا اليوم أن نتعامل معها بنجاعة بحكم التقادم الزمني وبحكم موقعنا وكذلك بحكم المقارنات بينها وغيرها من الملاحظات. ومثال على ذلك ملاحظة نيكولا أورسيم Nicolat Oresme حول "استحالة ترجمة كل أرسطو لوجود كلمات إغريقية لا مقابل لها في اللاتينية[19] " مقدمة لتفسير كونه بنفسه يجد صعوبة لترجمة اللاتينية إلى الفرنسية في غيبة عن معجم غني، وهذه الملاحظة تلقي بنور ساطع على الغنى المتباين للغات، وعلى الترجمة كمكتشف وعامل تطوير عن طريق الابتكار المعجمي.

مقدمات الترجمات الإنجليزية في القرن السابع عشر تظهر لنا معبرة عن ميلاد جنس قليل الانتشار وهو نقد الترجمة. وهو مرتبط كما يخال لنا بظاهرة لا بد منها وهي إعادة الترجمة وقد أخذ في تلك الفترة شكلا خاصا فالمترجمون يرجعون دوما إلى رصيد محدد من كتاب اللاتينية والإغريقية. ومقدمة دريدن Dryden لترجمة لرسائل أوفيد تشكل معلما في الموضوع. فالمترجم لا يكتفي بذكر الاعتبارات العادية المتفرقة التي صادفها بل يطرح هذه الصعوبات في إطار نظري عام وبالمقارنة مع سابقيه. بالنسبة لدريدن يمكن اختزال جميع الترجمة إلى ثلاث أشكال أساسية: الميطا جملية والمقابل الجملي والتقليد. الميطا جملية هي ترجمة حرف بحرف بيتا ببيت كما فعل بنجونسونBen Jonson في فن الشعرية لهوراس. المقابل الجملي هو الترجمة الحرة، يترجم المعنى دون الاهتمام بالشكل مع عدم الابتعاد عن النص الأصلي. بهذه الطريقة ترجم والر Waller فيرجيلVirgile. وأخيرا ففي التقليد (وقد نتساءل عن أحقية مسمى المترجم هنا) يستعمل النص الأصلي كقاعدة عمل ويبتعد عنه بحرية كما يرغب وهي الطريقة التي سار عليها كراوليCrowley.

ويجب انتظار القرن الثامن عشر لنرى ظهور في بلاد الإنجليز أول كتاب في الترجمة وهو :"رسالة حول مبادئ الترجمة" لألكسندر فرازر تايلورAlexandre Frazer Taylor. ولا يكتفي الكاتب بذكر بعض المبادئ العامة مما نسرده عنه وهي التي تشكل مقدمة كتابه فهو يتطرق للعديد من مشاكل الترجمة مع ردفها بأمثلة عديدة.

أما جنس نقد الترجمة والمرتبط بعملية إعادة الترجمة فقد وصلت أوجها في القرن التاسع عشر في إنجلترا مع الجدل الذي جرى بين نيومان Newman ضد ماثيو أرلوندMathew Arlnold. " في ترجمة هوميروس" يوجه كاتب "الثقافة والفوضوية" إمكاناته التربوية وإحساسه الشعري لتحليل غني وموثق للطرق التي سار عليها العديد من التراجمة الإنجليز Pope Crowper Chapman في نقلهم لهوميروس. ويؤكد أرلوند أن موضوع عمله هو إعداد مترجم قادم لهوميرس. " ظهرت في السنوات العشر الماضية ترجمتين جديدتين لإلياذة هوميروس ...ونقول دون خوف من الغلط إنهما بالاثنين لن يكوِّنا ترجمة معيارية لإلياذة هوميروس، ولن تكونا صاحبة المقام الأعلى، وسيقوم آخرون بترجمة جديدة ومن الممكن منحهم بعض المساعدة والتوفير عليهم من مغبة بعض المتاهات بتذكيرهم ببعض الأشواك التي اعترضت عمل سابقيهم وأيضا بعض الأهداف التي يجب أن يرتكز إليها مترجم هوميروس [20]".

هذه الرؤية حول نقد الترجمة يمكن بلا شك أن تطول بقراءة صفحات النقد في المجلات الأدبية التي تولي اليوم بعض الأهمية لبعض المترجمين المتميزين. ومن النافع قراءة توطئة وتقديم وبعض ملاحظات الترجمات الجديدة أو بعض مقدمات الترجمات المراجعة التي تعلق على ترجمة أولية. وأخيرا وحيث أن لاشيء يضاهي التدريب الشخصي فمن المستحسن أن يطلب من الطلاب المتميزين التعليق على الترجمات الموجودة وحصر أغلاطها ونقائصها. ونعرف النقد الذي وجه لترجمة بودلير لإدجار ألن بو وأيضا نقد ترجمات أندري جيد André Gide. ونظن أن عملا شبيها ولو متواضعا يمكن أن يقوم به الطلاب انطلاقا من الترجمات الموجودة.

هذا عرض من الوجهة التاريخية لما يمكن أن يكون عليه تكوين مترجمي الأدب. الإخبار عن ماض الترجمة يجب أن يصب في التطبيق على نقد الترجمة وخاصة التعليق على الترجمة ومقارنة العديد من الترجمات لنفس النص وذلك لن يكون إلا نافعا لتكوين ملكة النقد وتوضيح الخيارات. وهو تمرين يجب أن يستند إلى المعرفة النظرية في الآداب والنصيات والترجمة والترجمانية وكلها هذه يجب أن تشكل كلها مجموعا في ذلك التكوين.

مناقشــة

موقف أ[21]

سأتطرق هنا للحديت عن المترجمين المستقبليين وتحت التكوين وليس المجربين. سأتطرق إلى الذين لم يترجموا بعد ولهم رغبة في ذلك... ولكن السؤال الملح هو هل يمكن تعليم الترجمة الأدبية؟

وقبل الإجابة سأذكر ببعض القدرات المطلوبة عند طالب الترجمة:

- معرفة جيدة باللغات الأجنبية مجال عمله. وتمكنا كبيرا بلغته الأم.

- متأقلما مع أدوات العمل في اللغة من نحو ومعجم وقواعد معلومات....

- قراءة متأنية للكتب المدرسية والمقالات التي تهم الأسلوبية والترجمانية.

- معرفة باللغة مضعفة بحب النص وبعين ساهرة على علاقة المعقدة للكاتب بنصه وعلاقة القارئ مع هذا النص ذاته. مع عدم نسيان أن المترجم والكاتب هم أنفسهما قراء حينما يتعاملون مع نص كانت لهما به أو لهما به علاقة متميزة.

والتأكيد على هذه النقط يهدف إلى تمكين مترجم الأدب المتعلم من التموقع والتعرف على نفسه ورسم أفقه. وعلينا الآن أن ننبه لما يتعامل معه حين يترجم شعرا و قصة أو أقصوصة. بأنه غير بريء. وأن لا يتجاهل ما يعنيه حواره مع النص وبالنص الذي يحاول صياغته من جديد. أن يكون عارفا بمسئوليته والمكانة التي يأخذها في حياة النص الذي يخدمه.

وسأعود لما أقترحه على طلابي عادة... إن على مترجم نصوص أدبية أن لا يتجاهل "روى العالم" التي يتكلم عنها مونان. فعليه أن يعرف ويحس بأن الياباني لا يضحك كما يضحك البربري وأن الإنجليزي لا يبتسم حتما أمام نفس مشهد كالفرنسي. وعليه أن لا يقابل دائما a cat بقط، والنملة قد تكون في محيط مقبولة محبوبة ومنبوذة مطاردة في محل آخر. وقد يكون لها مرتبة الناقة أو القرد في مواضع وآماكن أخرى. وبعبارة أخرى على المترجم الخروج من عالمه الخاص. ودون تجاهل ثقافته عليه بالتفتح على الثقافات الأخرى. وعليه أن لا يتقوقع عارفا بالأجنبي ولا يمكنه جهله. وأسوق هنا ما أطلب من طلابي من التفكير في واقعة بسيطة : عدد الأجانب في العالم أكثر بكثير من المواطنين.

هذه الوعي بالعلاقة مع الآخر وبالعالم هو موضع درس أسميه "ترجمة الذاكرة الثقافية". وهدفي بسيط وعميق فأنا أود أن أزرع في طلابي حب التطفل والتعرف على الآخر وأود أن يكونوا متفتحين على العالم الآخر وعلى عالمهم. وبمعرفة بالآخر وبالبعيد وبإمكانهم التعرف على الغريب في النص الذين يحالون ترجمته وهكذا يمكنهم إقراء نص سبق كتابته بلغة أ في لغة ثانية ب دون أن يفقد النص الأول شيئا من تفرده وجماليته وغرائبيته ودون أن تفقد اللغة المتلقية أصالتها. فالترجمة لن تتم إلا بالتلاعب باللغة وباحترام تام لاستعمالاتها. وإذا كان على المترجم استغلال كل طاقات اللغة المستقبلة فعليه في الآن ذاته أن يطلب منها المحال وعليه بصهرها وعسرها بلا تعسف أو اغتصاب و اعوجاج كما يقول بذلك بعض المنظرين والمترجمين.

وحان الوقت للإجابة ببساطة على السؤال المطروح : نعم أنا أرى بأن الترجمة الأدبية ممكن تدريسها. وأزيد من معرفة اللغات والتمكن من الآلية الترجمية المدرسة على طلابنا الإحساس في عمقهم بحب اللغة وحب الأدب مع احترام الأخر مرفوقا باحترام الذات.

موقف ب[22]

هل يمكن تدريس الترجمة الأدبية؟

جوابي بالإيجاب ولكنه إيجاب يتطلب التوضيح فهو إذن ’نعم ولكن‘. فأول ما يطرح من تساءل : هل ترجمة الأدب فن أم علم. بعضهم يقول بوسطيتها وأنا أزيد فأقول أنها خليط من الاثنين. وسأحاول البرهنة هنا على أن ترجمة الأدب هي فن كامل في طريق التحول إلى علم.

أ فن: فهو عمل حرفي .... يتطلب دراية ومعرفة تقنية ويغدو آليا. فعازف البيانو يصبح بارعا لأنه عزف ألاف المقامات. ولان الرسام على تجربة باللوحة والريشة والصباغة فلذلك يعرف كيف يخلق ذاك أو ذلك الانطباع. ويتوجب أن يكون للفنان مهما برع رسالة قبلا، فشكل بلا مضمون ليس بفن.

وقد يرد البعض بأن مترجم الأدب ليس لديه ما يقوله لأن المضمون الذي يقدمه في لغته قدمه له إنسان آخر. أكيدا ومع ذلك ـ ونعرف كلنا ذلك ـ فبلا إلهام كم تصعب الترجمة. وحين نقول الإلهام نقول الرغبة في التعبير والابتكار ولكن ماذا نبتكر؟

ومن الأحسن الحديث عن إعادة ابتكار ورغم أن هذه "الإعادة" لا تزيل ولا تنقص جانب الابتكار في عملنا فليس الأمر متعلقا بنقل وبإسقاط مدلول على دال، ففي الآداب : المدلول يحمله ليس الدلالة البحثة للكلمة بل أيضا الدال نفسه والذي يصبح شبيها بمسحة لون أو نغمية. وبالطبع فقد قدم آخرون ’الموضوع‘ للمترجم، وأن يكون عفويا أو منقولا لا يهم، المهم هنا هو كيفية منحه شكلا. وبالطبع فالنص الأصلي له شكل يجب أن ننطلق منه والصعوبة بالنسبة لنا هي كيفية نقله وخلقه في مادة جديدة كلية مختلف كليا وهو ما يتطلب من المترجم الحرفي إلهاما وإبداعا يساويان ما تطلبه العمل الأصلي. الإلهام والإبداع والتقنية هذه هي المحطات الثلاثة المميزة لكل فن وأيضا لترجمة الأدب.

فهل يمكن تدريس ترجمة الأدب؟

هناك نظرتان تتمحوران حول سؤالين: هل يحق لنا تدريس ترجمة الأدب؟ وهل ممكن ذلك؟

بالفعل فتقليديا ومن المنطقي لا يدرس إلا ما كون علما ارتبط بطريقة تعليم. و نحن نعدم هذا العلم بعد (والترجمية لازالت في إرهاصاتها الأولى) فإذن لا يمكننا تأسيس تعليمية ترجمة لأدب إلا على الحدس والتجربة الشخصية والاستفادة المستمرة والإجماع. أظن أن كل شيء ممكن تعلمه إذا وجدت في البداية موهبة واستعداد حقيقي ورغبة وتحفيز. فلا يولد الإنسان فنانا وطبعا كل مترجمي الأدب هم لحد الساعة وليدي العصامية. وما يمنحه تدريس ترجمة الأدب هو تقصير مدة التكوين الذاتي الشاق والعصيب.

وكثيرا ما حدث في دروسي أو بطلب من ناشرين أن أقدم نقدا لترجمة.... وأنا مصدوم بنشر بعض الترجمات الركيكة السيئة أو على الأقل إنها تحمل أغلاطا جسيمة.....

فكيف ندرس ترجمة الأدب؟

وبما أننا لا نمتلك بعد علم ترجمة نرتكز إليه فيظهر لي أنه في الوقت الراهن يجب:

نقل تقليد ليتمكن المتعلم المترجم من تقييم حلول سابقيه،

ونقل تقليد ليحترس من الأغلاط التي يجب عليه تفاديها.

فمن تكرار الاضطلاع على عدد ونوعية الأغلاط التي وقع فيها الآخرون فإنه سيميز وسيتفادى بسهولة الأشواك وعلى الأقل فإنه سيتعلم الاحتراس الدائم. التمارين التطبيقية المهيكلة وبإشراف أستاذ ستقصر مسار التعلم وتربح الوقت.

وقد نظمنا في بلجيكا في المركز الأوروبي لترجمة الأدب الدروس على الشكل التالي:

اخترنا تكوينا بعد جامعي إي سلكا ثالثا مفتوحا لحامل شهادة في علوم اللغة أو الترجمة أو اللغات أو اللسانيات.

وننطلق من موقف أن المرشح له زاد مهم لغوي وأدبي للولوج في هذا النوع من الدراسة.

ونظمنا الدروس على شكل ندوات و ورشات يشرف عليها مترجمو أدب معروفين.

هذه الورشات والندوات محضرة بدروس تأطير ارتأينا ضرورتها لهذا التكوين.

* التحليل الأدبي والتحليل النصي فيه يشــََّرح النص المنطلق وتستخرج آلياته المسئولة عن النتيجة المشرقة، الأثر والأسلوب والنغمية التي يجب على المترجم توصيلها في النص المترجَم.
* حضارة وثقافة لغة المنطلق، هذا الدرس يمكن من مقاربة السياق الثقافي والاجتماعي والتاريخي للكاتب وللنص فبلا هذه المعرفة سيسقط المترجم في العديد من الحفر.
* اللسانيات التقابلية وهي تنمي تقنيات شبه أليه للعبور من عبقرية لغة إلى أخرى.
* نقد الترجمة
* وبالطبع ورشات الكتابة في اللغة الأم لكون الترجمة هي إعادة صياغة في لغته الخاص.

ما نبتغي من خلال تدريس ترجمة الأدب؟

...لما خلق المركز الأوروبي لترجمة الأدب كان في ذهني فكرة : في أوروبا الجديدة ستلعب ترجمة الأدب مكانة توسط بين مختلف الثقافات. وكانت الفوضى طاغية ميدان ترجمة الأدب فإلى جانب ترجمات أدبية جيدة... فقد لعبت كثيرا من الترجمات دورا في مهلكة ثقافة الآخر وظهر لي ضرورة سرعة العمل على خلق منبع يجد الناشرون فيه أخيرا مترجمين مقبولين لأنهم تكونوا على أيدي شيوخهم الكبار ومختارين عن طريق امتحانات يشرف عليها خيرة المجربين والناشرون ذاتهم.

1- بتصرف عن Antoine Berman. مدير مركز جاك أميو Jacques Amyot.
2- من أعلام المدرسة الباريسية.
3- فكرة الأمانة في الترجمة ص 7.Hurtado Albir, la notion de fidélité en traduction, Didier Erudition, 1990.
4- نشر المؤلف هذا النص مترجما في كتابه أبراج بابل.
5- القديس جيروم يعد أب المترجمين الغربيين.
6- Tradition من اللاتينية tradere وكلمة التقليد العربية لها بعض السمات الدلالية المشتركة مع اللفظ اللاتيني.
7- Michel Gresset
8- Michel Ballard
9- جوتيه بذكر Antoine Ballard L’épreuve de l’étranger, باريس 1984، ص: 93.
10- نستعمل هنا ألأرقام التي جاءت بها أفلين بوشي Evelyne Boucher في تقريرها للمؤتمر الدولي الحادي عشر للفيديرالية الدولية للمترجمين’’ الوضع القانوني والاجتماعي للمترجم والترجمان‘‘ مجلة ‘ Traduire عدد 133 أوكتوبر 1987 ص" 7-8.
11- L. Kelly , 1979, ص : 1.
12- Lettres , Saint Gérôme, مج 3 ترجمة Jérôme Labourt، 1953.
13- عن أنسيلينو 1965، ص : 17.
14- Cary 1985، ص : 86-87.
15- La traduction : de la théorie à la didactique, Anoine Ballard, ليل 1984.
16- , Les problèmes théoriques de la traduction, Georges Mounin باريس 1963 و Teoria e storia della traduzione ، تورينو إيطاليا 1965.
17- جورج مونان 1963، ص : 12.
18- القديس جيروم ،م.س ، ص: 61.
19- Paul Herbert Lariwill , La théorie de la traduction au début de la renaissance,مونيخ 1934، ص: 210-275.
20- Arnold 1861 صً 210.
21- Guy Leclercq, . جامعة باريس.
22- François Wuillmart، المركز الأوروبي للترجمة الأدبية.

المراجع

Antoine Berman, Epreuve de l’étranger, Gallimard,1984.

Asselineau Roger Introduction à la traduction par Charles Baudelaire des nouvelles histoires extraordinaires, d’Edgar Allan Poe, Flammarion, 1965

Ballard Michel, ed., La traduction : de théorie à la pratique, PUL, Lille, 1984.

Ballard Michel, la traduction de l’anglais au français, Nathan, 1987.

Kelly Louis G., The True interpreter, A History of Translation Theory and ractice in the West, Oxford, Blackwell, 1979.

Laporte Danielle, ed., Traduction et didactique, Porto, eds, 1990

Larwill Paul Hubert, La théorie de la traduction au début de la renaissance, Münich, Wolf, 1934.

Mounin Georges, Les problèmes théoriques de la traduction, Gallimard, 1963.

Mounin Georges, Teoria e storia delle traduzione, Turin, Einaudi, 1965.

Palimpsestes, n° oct 1990.

Saint Gérôme, Lettres, trad, Jérôme Labourt, les Belles Lettres, 1953.

Traduire, n°133, oct 1987.










الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الدكتور محمد عمر أمطوش -حول ترجمة الإبداع الأدبي- منقول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ربيع الإبداع بمدينة حد السوالم المغربية.
» تجذر ترجمة الاستاذة سلوى الكنزالي
» حسن عبيدو النظر التاصيلي والافق الابداعي عند الدكتور طه عبد الرحمان
» بيع مدينة حد السوالم: "الإبداع الشبابي رافد لتنمية مواطنة،دورة أحمد بوزفور" ا
» موقف الجابري و اركون و نصر حامد ابو زيد من التراث- منقول

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعية المغربية للغويين والمبدعين  :: بلغات أخرى :: ترجمات عامة-
انتقل الى: